كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله تعالى: {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي الناس كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظلمات} [الأنعام: 122]، ومِنْهَا أن يكونَ المعنى «فَجَزَاءٌ من مِثْلِ ما قَتَلَ من النَّعَم» كقولك: «خَاتِمُ فضَّة» أي: «خاتمٌ من فضةٍ»، وهذا خلاف الأصْلِ فالجوابُ ما تقدَّم و«ما» يجوزُ أن تكون موصولةً اسميَّة، أو نكرةً موصوفةً، والعائدُ محذوفٌ على كلا التقديرين، أي: مثلُ ما قَتَلَهُ من النَّعَمِ.
فَمَنْ رفع {جَزَاء} ففيه أربعة أوجه:
أحدها: أنه مرفوع بالابتداء، والخبرُ محذوفٌ، تقديرُه: فعليه جزاء.
والثاني: أنه خبرٌ لمبتدأ محذوف، تقديرُه: فالواجبُ جزاء.
والثالث: أنه فاعلٌ بفعل محذوف، أي: فيلزَمُه الجزاءُ، أو يَجِبُ عليه جزاءٌ.
الرابع: أنه مبتدأ وخبره {مِثْل}، وقد تقدَّم أن ذلك مذهبُ أبي إسْحَاق الزجَّاج، وتقدم أيضًا رفع {مِثْل} في قراءة الكوفيين؛ على أحدِ ثلاثةِ أوجه: النعْتِ، والبدلِ، والخبرِ؛ حيث قلنا: {جَزَاء} مبتدأٌ عند الزجَّاج.
وأمَّا قراءةُ {فَجَزَاؤه مِثْلُ}، فظاهرةٌ أيضًا، وأمَّا قراءة {فَجَزَاءٌ مِثْلَ} برفع {جَزَاءٌ} وتنوينه، ونصب {مِثْل}، فعلى إعمال المصدر المنوَّنِ في مفعوله، وقد تقدَّم أنَّ قراءة الإضافة منه، وهو نظيرُ قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا} [البلد: 14- 15] وفاعلُه محذوف، أي: فجزاءُ أحدِكُمْ أو القاتلِ، أي: أنْ يُجْزَى القاتلُ للصَّيْدِ، وأما قراءة: {فَجَزَاءً مِثْلَ} بنصبهما فـ{جَزَاءً} منصوبٌ على المصدر، أو على المفعول به، و{مِثْلَ} صفتُه بالاعتبارين، والتقدير: فَلْيَجْزِ جَزَاءً مِثْلَ، أو: فَلْيُخْرِجْ جَزاءً، أو فليُغَرَّمْ جَزَاءً مِثْلَ.
قوله: {مِنَ النَّعَمِ} فيه ثلاثةُ أوجه:
أحدها: أنه صفةٌ لـ {جَزَاء} مطلقًا، أي: سواءً رُفِعَ أم نُصِبَ، نُوِّن أم لم يُنَوَّنْ، أي: إنَّ ذلك الجزاءَ يكونُ من جنسِ النَّعَمِ، فهذا الوجهُ لا يمتنع بحالٍ.
الثاني: أنه متعلق بنفسِ {جَزَاء}؛ لأنه مصدرٌ، إلا أنَّ ذلك لا يجوزُ إلا في قراءة من أضاف {جَزَاء} إلى {مثْل}، فإنه لا يلزمُ منه محذورٌ؛ بخلافِ ما إذا نَوَّنْتَهُ، وجعلتَ {مِثْلَ} صفته، أو بدلًا منه، أو خبرًا له؛ فإنَّ ذلك يمتنع حينئذ، لأنَّك إنْ جَعلْتَه موصوفًا بـ {مِثْل} كان ذلك ممنوعًا من وجهين:
أحدهما: أنَّ المصدرَ الموصوفَ لا يعملُ، وهذا قد وُصِفَ.
والثاني: أنه مصدر، فهو بمنزلةِ الموصولِ، والمعمولُ من تمامِ صلته، وقد تقرَّر أنه لا يُتْبَعُ الموصولُ إلا بعد تمام صلته؛ لئلا يلزمَ الفصلُ بأجنبيٍّ، وإنْ جعلْتَه بدلًا، لَزِم أن يُتْبَعَ الموصولُ قبل تمام صلته، وإنْ جَعَلْتَه خبرًا، لزم الإخبارُ عن الموصولِ قبل تمامِ صلته، وذلك كلُّه لا يجوزُ.
الثالث: ذكره أبو البقاء وهو أنْ يكون حالًا من عائدِ الموصولِ المحذوفِ؛ فإنَّ التقدير: فجزاءً مثل الذي قتله حالَ كونه من النَّعَم، وهذا وَهْمٌ؛ لأن الموصوف بكونه من النَّعم، إنما هو جزاءُ الصيد المقتولِ، وأمَّا الصيد نفسُه، فلا يكونُ من النعم، والجمهورُ على فَتْحِ عَيْن {النَّعَم}، وقرأ الحسن بسكُونها، فقال ابنُ عطيَّة: «هي لغةٌ»، وقال الزمخشريُّ: استثقَلَ الحركةَ على حرفِ الحلق، كما قالوا: الشَّعْرُ في الشَّعَرِ.
قوله: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ} في موضع نصْبٍ على الحال منه، أو على النَّعْتِ لـ {جَزَاء} فيمَنْ نَصَبه، وخصَّصَ أبو البقاء كونه صفةً بقراءةِ تنوين {جَزَاء}، والحالَ بقراءةِ إضافته، ولا فرقَ، بل يجوزُ أنْ تكون الجملةُ نعتًا أو حالًا بالاعتبارين؛ لأنه أذا أُضيفَ إلى {مِثْل}، فهو باقٍ على تنكيرِه؛ لأنَّ «مِثْلًا» لا يتعرَّفُ بالإضافة، وكذا خَصَّصَ مكي الوصفَ بقراءةِ إضافةِ الجزاء إلى {مِثْل} فإنه قال: و{مِنَ النَّعَم} في قراءةِ مَنْ أضافَ الجَزَاء إلى {مِثْل} صفةً لـ {جَزَاء}، ويَحْسُنُ أنْ تتعلَّق «مِنْ» بالمصدر، فلا تكونُ صفةً، وإنما المصدرُ مُعَدى إلى {مِنَ النَّعَمِ}، وإذا جعلته صفةً، فـ«مِنْ» متعلِّقةٌ بالخبرِ المحذوف، وهو فَعَلَيْهِ، وفي هذا الكلامِ نظرٌ مِنْ وجهَيْن:
أحدهما: قد تقدَّم، وهو التخصيصُ بقراءةِ الإضافة.
والثاني: أنه حين جعل {مِنَ النَّعَم} صفةً عَلَّقها بالخبرِ المحذوفِ لِمَا تضمَّنه من الاستقرار؛ وليس كذلك؛ لأنَّ الجارَّ، إذا وقعَ صفةً تعلَّقَ بمحْذوفٍ، ذلك المحذوفُ هو الوصفُ في الحقيقةِ، وهذا الذي جعله متعلَّقًا لهذه الصفةِ ليس صفةً للموصوف في الحقيقةِ، بل هو خبرٌ عنه؛ ألا ترى أنك لو قلت: «عِنْدِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ» إنَّ «مِنْ بَنِي» متعلِّقٌ بوصفٍ محذوفٍ في الحقيقة، لا بقولِكَ «عِنْدِي»، ويمكن أن يُقال- وهو بعيدٌ جِدًّا- إنه أراد التعلُّقَ المعنويَّ؛ وذلك أنَّ العاملَ في الموصوفِ عاملٌ في صفته، و«عَلَيْهِ» عاملٌ في «جَزَاء»، فهو عاملٌ في صفته، فالتعلُّقُ من هذه الحَيْثِيَّةِ، ولكن إنما يتأتَّى ذلك حيث جعلنا الخبرَ عاملًا في المبتدأ، أو قلنا: إنَّ الجارَّ يرفع الفاعلَ، ولو لم يعتمدْ وإنما ذكر هنا التوجيهاتِ؛ لأنَّ القائلين بذلك مِمَّنْ لا يُلْغَى قولهم بالكلية.
والألفُ في {ذَوَا} علامةُ الرفع؛ لأنه مثنى، وقد تقدَّم الكلامُ في اشتقاق هذه اللفظةِ وتصاريفها [الآية 177 البقرة]، وقرأ الجمهورُ: {ذَوَا} بالألف، وقرأ محمد بن جعفر الصادق: {ذُو} بلفظِ الإفراد، قالوا: ولا يريدُ بذلك الوَحْدة، بل يريدُ: يحكُمُ به مَنْ هو مِنْ أهْلِ العدل، وقال الزمخشريُّ: «وقيل: أراد الإمام» فعلى هذا تكونُ الوحْدَةُ مقصودةً، و{مِنْكُمْ} في محلِّ رفع صفةً لـ {ذَوَا}، أي: إنهما يكونان من جنْسِكُمْ في الدِّين، ولا يجوزُ أن تكونَ صفةً لـ {عَدْل}؛ لأنه مصدرٌ قاله أبو البقاء، يعني: أن المصدرَ ليس مِنْ جنْسِهِمْ، فكيف يُوصَفُ بكونه منهم؟
قوله: {هَدْيًا} فيه ستةُ أوجهٍ:
أظهرُها: أنه حالٌ من الضمير في {به} قال الزجاج: «هو منصوبٌ على الحالِ، المعنى: يحكم به مقدَّرًا أن يُهْدَى» يعني أنه حال مقدَّرةٌ، لا مقارنةٌ، وكذا قال الفارسيُّ كقولك: «مَعَهُ صَقْرٌ صَائِدًا به غدًا»، أي مُقَدَّرًا الصَّيْدَ.
الثاني: أنه حالٌ من {جَزَاء} سواءٌ قُرئَ مرفوعًا أم منصوبًا، منونًا أم مضافًا، وقال الزمخشريُّ: {هدْيًا} حالٌ من {جزَاء} فيمَنْ وصفه بـ {مِثل}؛ لأنَّ الصفةَ خَصَّصَتْه، فقرُبَ من المعرفة، وكذا خصَّصه أبو حيان، وهذا غير واضحٍ، بل الحاليةُ جائزةٌ مطلقًا؛ كما تقدَّم.
الثالث: أنه منصوبٌ على المصدْرِ، أي: يُهْدِيهِ هَدْيًا، ذكره مكي وأبو البقاء.
الرابع: أنه منصوبٌ على التَّمْييزِ، قال أبو البقاء ومكيٌّ، إلا أنَّ مَكِّيًا، قال: «على البيانِ»، وهو التمييزُ في المعنى، وكأنهما ظَنَّا أنه تمييزٌ لِما أبْهِمَ في المِثْلية؛ إذ ليس هنا شيءٌ يَصْلُحُ للتمييزِ غيرَها، وفيه نظرٌ؛ من حيث إنَّ التمييزَ إنما يَرْفَع الإبهامَ عن الذَّواتِ، لا عن الصفاتِ، وهذا كما رأيْتَ إنما رفع إبهامًا عن صفة؛ لأنَّ الهدي صفةٌ في المعنى؛ إذ المرادُ به مُهْدى.
الخامس: أنه منصوبٌ على محلِّ {مِثْل} فيمَنْ خَفَضه؛ لأنَّ محلَّه النصبُ بعملِ المصدرِ فيه تقديرًا؛ كما تقدَّم تحريرُه.
السادس: أنه بدلٌ من {جَزَاء} فيمن نصبه.
و{بَالِغَ الكَعْبَةِ} صفةٌ لـ {هَدْيًا}، ولم يتعرَّفْ بالإضافة؛ لأنه عاملٌ في الكعبة النصبَ تقديرًا، ومثله: {هذا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا} [الأحقاف: 24] وقولُ الآخَرِ: [البسيط]
يَا رُبَّ غَابِطِنَا لَوْ كانَ يَطْلُبُكُمْ ** لاقَى مُبَاعَدَةً مِنْكُمْ وحِرْمَانَا

في أنَّ الإضافة فيها غيرُ مَحْضَةٍ، وقرأ الأعْرج: {هَدِيًّا} بكسر الدال وتشديد الياء.
قوله: {أو كَفَّارةٌ} عطفٌ على قوله: {فَجَزَاءٌ}، و{أوْ} هنا للتخيير، ونُقِل عن ابن عباس؛ أنها ليسَتْ للتخيير، بل للترتيب، وهذا على قراءةِ مَنْ رفع {فَجَزَاءٌ}، وأمَّا مَنْ نصبه، فقال الزمخشريُّ: جعلها خَبَرَ مبتدأ محذوفٍ؛ كأنه قيل: أو الواجبُ عليه كفَّارةٌ، ويجوزُ أن تُقَدَّرَ: فعليه أن يجْزِي جزاءً، أو كفارةً، فتعطفَ {كَفَّارة} على «أنْ يَجْزِيَ»، يعني أنَّ «عليه» يكونُ خبرًا مقدَّمًا، و«أن يَجْزِيَ» مبتدأ مؤخَّرًا، فعطفت «الكفَّارة» على هذا المبتدأ، وقرأ نافع وابنُ عامرٍ بإضافة «كَفَّارة» لما بعدها، والباقون بتنوينها، ورفع ما بعدها.
فأمَّا قراءةُ الجماعةِ، فواضحةٌ، ورفعُ «طَعَامُ» على أحد ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه بدل من «كَفَّارةٌ»؛ إذ هي من جنسه.
الثاني: أنه بيانٌ لها؛ كما تقدَّم، قاله الفارسيُّ.
وردَّه أبو حيان؛ بأنَّ مذهبَ البصريِّين اختصاصُ عطفِ البيانِ بالمعارفِ دون النكرات، قال شهاب الدين: أبو عَلِيٍّ يُخالِفُ في ذلك، ويستدلُّ بأدلَّة، منها قوله تعالى: {شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35]، فـ{زَيْتُونَةٍ} عنده عطفُ بيان لـ {شَجَرَة}، وكذا قوله تعالى: {مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ} [إبراهيم: 16]، فـ{صَدِيد} عنده بدلٌ من {مَاءٍ}، والبدلُ فيهما محتملٌ؛ فلا حُجَّةَ له، والبدل قد يجيء للبيان.
الثالث: أنه خبر مبتدأ محذوفٍ، أي: هي طعام، أي: تلك الكفارة.
وأمَّا قراءة نافع وابن عامرٍ، فوجهها: أنَّ الكفارة، لمَّا تنوَّعَتْ إلى تكفير الطعام، وتكفير بالجزاء المماثل، وتكفير بالصيام، حسُنَ إضافتها لأحَدِ أنواعها تبيينًا لذلك، والإضافةُ تكون بأدْنَى ملابسة؛ كقوله: [الطويل]
إذَا كَوْكَبُ الخَرْقَاءِ لاحَ بِسُحْرةٍ ** سُهَيْلٌ أذَاعَتْ غَزْلَهَا فِي القَرَائِبِ

أضاف الكوكبَ إليها؛ لقيامها عند طلوعه؛ فهذا أولى، ووجَّهَها الزمخشريُّ فقال: «وهذه الإضافةُ مبيِّنةٌ، كأنه قيل: أو كفارةٌ من طعامِ مساكين؛ كقولك: «خَاتَمُ فِضَّةٍ» بمعنى مِنْ فِضَّةٍ»، قال أبو حيان: «أمَّا ما زعمه، فليْسَ من هذا الباب؛ لأنَّ «خَاتَم فِضَّةٍ» من باب إضافة الشيء إلى جنْسه، والطعامُ ليس جنسًا للكفارةِ، إلا بتجَّوزٍ بعيدٍ جدًّا». انتهى، قال شهاب الدين: كان مِنْ حَقِّه أن يقول: والكفَّارةُ ليستْ جنْسًا للطَّعامِ؛ لأنَّ الكفارةَ في التركيب نظيرُ «خَاتَم» في أنَّ كلًا منهما هو المضافُ إلى ما بعده، فكما أن «خَاتَمًا» هو المضافُ إلى جنسه ينبغي أن يُقالَ: الكفَّارةُ ليستْ جنْسًا للطعام؛ لأجل المقابلةِ، لكنْ لا يمكنُ أن يُقال ذلك، فإنَّ الكفارةَ كما تقدَّم جنسٌ للطعامِ، والجزاءِ، والصَّومِ، فالطريقُ في الردِّ على الزمخشريِّ أن يُقال: شرطُ الإضافةِ بمعنى «مِنْ»: أن يُضاف جزءٌ إلى كلٍّ بشرطِ صدقِ اسم الكلِّ على الجزءِ؛ نحو: «خَاتَمُ فِضَّةٍ»، و{كَفَّارةُ طعَامٍ} ليس كذلك، بل هي إضافة «كُلّ» إلى جزء، وقد استشكل جماعةٌ هذه القراءة؛ من حَيْثُ إنَّ الكفارةَ ليست للطعامِ، إنما هي لقتلِ الصيدِ، كذا قاله أبو عليٍّ الفارسيُّ وغيره، وجوابُه ما تقدَّم.
ولم يختلف السبعةُ في جمع «مَسَاكِينَ» هنا، وإن اختلفوا في البقرة، قالوا: والفرقُ بينهما أنَّ قَتْلَ الصَّيْدِ لا يُجْزئُ فيه إطعامُ مِسْكِينٍ واحدٍ، على أنه قد قرأ عيسى بْنُ عُمَرَ والأعْرَجُ بتنوين {كَفَّارة}، ورفع {طَعَامُ مسْكِينٍ} بالتوحيد، قالوا: ومرادُهما بيانُ الجِنْسِ، لا التوحيدُ.
قوله: {أوْ عَدْلُ} نسقٌ على {فَجَزاءٌ}، والجمهورُ على فتحِ العين، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مُصَرِّف والجَحْدَرِي بكَسْرِهِا.
قال الفرَّاءُ: «العِدْل» بالكسر: ما عادَل الشَّيْء من جِنْسِهِ، والعدل: المِثْلُ، تقول: عندي عِدلُ غُلامِكَ أو شَاتِكَ إذا كان غلامٌ بِعِدْل غُلامه، أو شاةٌ تَعْدِلُ شَاتَهُ، أمَّا إذا أرَدْتَ قِيمَتَهُ من غير جِنْسِه نَصَبْتَ العَيْن، فقُلْت: عَدْل.
وقال أبو الهَيْثَم: العدل: المِثْل، والعِدْل: القِيمَةُ، والعَدْلُ: اسم مَعْدُولٌ بحمل آخر مُسَوى به، والعَدْل: تَقْوِيمُك الشَّيْء بالشيء من غير جِنْسِهِ.
وقال الزَّجَّاج، وابنُ الأعْرَابِيّ: العَدل والعِدْل سواءٌ، وقد تقدَّم الكلام عَلَيْه في البَقَرة: عند قوله: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [الآية: 48].
قوله: {صِيَامًا} نصْبٌ على التميز كقولك: «عندي رَطلان عَسَلًا» لأنَّ المعنى: أو قَدْرُ ذلك صِيامًا، والأصْلُ فيه إدْخَالُ حَرْفَيْنِ تقُولُ: رطلانِ من العَسَلِ، وعَدْلُ ذلك من الصِّيَام.
وأصل «صِيامًا»: «صِوَامًا» فأعِلَّ كما تقدَّم مرارًا.
قوله: {لِيَذُوقَ} فيه ستةُ أوجهٍ:
أحدها: أنه متعلقٌ بـ {جزاء} قاله الزمخشريُّ، وقال أبو حيان: إنما يتأتَّى ذلك حيثُ يضاف إلى {مِثْل}، أو يُنَوَّن {جَزَاء}، ويُنْصَبُ {مِثْل}، وعَلَّلَ ذلك بأنه إذا رَفَعَ مثلًا، كان صفةً للمصْدَرِ، وإذا وُصِفَ المصدرُ، لم يعمل إلا أن يتقدَّم المعمولُ على وصْفِه؛ نحو: «يُعْجِبُنِي الضَّرْبُ زَيْدًا الشَّديدُ»، فيجوز: قال شهاب الدين: وكذا لو جعله بدلًا أيضًا أو خبرًا؛ لما تقدَّم من أنه يلزمُ أن يُتْبَعَ الموصولُ أو يُخْبَر عنه قبل تمامِ صلته، وهو ممنوعٌ، وقد أفْهَمَ كلامُ الشيخِ بصريحِهِ؛ أنه على قراءةِ إضافة الجزاءِ إلى {مِثْل} يجوزُ ما قاله الزمخشري، وأنا أقول: لا يجوزُ ذلك أيضًا؛ لأنَّ {لِيَذُوقَ} مِنْ تمامِ صلةِ المصدرِ، وقد عُطِفَ عليه قوله: «أوْ كفَّارَةٌ أو عَدْلٌ»؛ فليزمُ أنْ يُعْطَفَ على الموصُولِ قبل تمام صلته؛ وذلك لا يجوزُ لو قلْتَ: «جَاءَ الذي ضربَ وعَمرٌو زَيْدًا» لم يَجُزْ للفصْلِ بين الصِّلَة- أو أبعاضِهَا- والموصوُلِ بأجنبيٍّ، فتأمَّلْه.